القائمة الرئيسية

الصفحات

صورة الجزائر،ثنائية الأنا والآخر في رواية "ابن الفقير" للكاتب مولود فرعون

صورة الجزائر،

ثنائية الأنا والآخر في رواية "ابن الفقير" للكاتب مولود فرعون.

إعداد: زينب ديف  


مقدمة                                   

شكّل الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية موضوع دراسة وبحث وأثار جدلا واسعا بين النقاد، فاعتبره البعض أدبا فرنسيا لكونه مكتوبا بلغة فرنسية وفي فترة استعمارية، كان فيها الاستعمار الفرنسي يسعى للتوغل في المجتمع الجزائري وسلخه من ثقافته وعاداته وتقاليده، فكل جهوده لم تكن تتمركز حول احتلال الأرض والثروات بل امتدت لطمس مقومات المجتمع الجزائري بكل أبعادها الثقافية والدينية وحتى اللغوية.

كانت المدرسة الفرنسية هي المسيطرة، وكانت تطمح لتكوين جيل جديد من الجزائريين يؤمنون بمبادئ المدرسة الفرنسية ويتنكر لهويته وأصالته، وهذا هو السبيل الوحيد لاستمرار الوجود الفرنسي في الجزائر. وهنا ظهر العديد من المثقفين الذين كتبوا بالفرنسية، من أمثال: كاتب ياسين، مولود معمري، محمد ذيب، مولود فرعون.

و في هذه الدراسة المتمركزة حول رواية "ابن الفقير " للكاتب الجزائري مولود فرعون ، التي كتبت في الفترة الاستعمارية و باللغة الفرنسية، نحاول أن نبرز صورة الجزائر، و كيف رسمها مولود فرعون ؟ و هل تجلت ثنائية الأنا(الجزائري) و الآخر(المستعمر الفرنسي) في هذه الرواية؟ 


"الرواية عمل قابل للتكيّف مع المجتمع، وتعد شكلا من أشكال التعبير الاجتماعي. لأن الروائي يشيد مله بين قطبي الزمان والمكان في حكاية متخيلة توازي الواقع المعاش، فهما البعدان المحوران اللذان يمثلان اللحمة في التخييل القصصي، ويعطيان العمل الادبي ولفني أبعاده الإنسانية والاجتماعية و النفسية. "

رولان بارت  


« J’écris en français pour dire aux Français que je ne suis pas Français »  

Mouloud Feraoun


1- صورة الجزائر:

كيف تجلت صورة الجزائر في رواية ابن الفقير لمولود فرعون؟:

أ‌. الفضاء المكاني: بكل أبعاده: الخصوصية الطبيعية، العمران والمناخ.

بداية من أول جملة في الرواية يحدد لنا الكاتب الفضاء المكاني للرواية التي تدور أحداثها في منطقة القبائل، " نحن سكان منطقة القبائل (...) السائح الأكثر تعاطفا مع منظر قرانا الفقيرة" ، ويحدد المكان بدقة أكثر وبالتحديد في قرية بولاية تيزي وزو " تعد تيزي تجمعا سكانيا، لألفي ساكن، تتلاصق منازلها الواحد تلوى الاخر على قمة مرتفعة وكأنها هيكل عظمي ضخم ينتمي الى عصر ما قبل التاريخ" 

وهنا نلاحظ تصويره الدقيق لكل ما يميز القريبة، شكل منازلها وشوارعها وطبيعتها.

"ان السائح الذي يجرؤ على التوغل في عمق بلاد القبائل سوف تسحر فؤاده مناظرها يقينا أو مجاملة. سيجد أحياءها سحرية، وتبدو له مشاهدها شاعرية، فلا يسعه الا ان يشارك الأهالي مشاركة وجدانية في عاداتهم المتسامحة"

كما قدم وصفا دقيقا للنسيج العمراني للقرية، من أحياء وشوارع، جدران، مساجد، المقاهي...

الطبيعة: تتميز بخضرتها وأشجار التين والزيتون التي تميز منطقة القبائل.

المناخ: وصف الشتاء القاسي والبارد" قدميها المبللة والمحمرة بفعل الصقيع"  

ب‌. الفضاء الزماني:

في الرواية لم يرد ذكر صريح للفترة الزمانية، لكن بحكم الأوضاع التي صورتها الاحداث فهي خلال الفترة الاستعمارية للجزائر، ثم أن سنة صدور الرواية كانت في سنة 1950.

2-كيف تجلت ثنائية الأنا (الجزائري) والآخر (المستعمر الفرنسي) في رواية "ابن الفقير"؟ 

بعد عرض الفضاء المكاني و الزماني للرواية و من خلال القصة التي تروي حياة البطل منراد فورولو الذي يعيش في منطقة القبائل، و ينحدر من أسرة فقيرة، تكابد عناء و قسوة الحياة خلال الفترة الاستعمارية، تتجلى لنا ثنائية بارزة و هي ثنائية الأنا الي جسدتها الرواية من خلال وصف المجتمع الجزائري، بظروفه المعيشية، و عاداته و تقاليده و لغته و ثقافته خلال فترة استعمارية شكل فيها الآخر(الاستعمار الفرنسي)، دورا مهما في رسم معالمها. وهنا نقوم بعرض هذه الثنائية كما صورتها رواية"ابن الفقير".

1.2.صورة الأنا (المجتمع الجزائري):

الجانب الديني:

صورت الرواية المجتمع الجزائري من خلال منطقة القبائل، و علاقته بالدين الإسلامي من خلال تواجد المساجد في القرية، و على قلتها الا أن الاستعمار الفرنسي لم يتمكن من إلغائها، و هذا ما يرمز لتمسك المجتمع الجزائري بدينه "يوجد مسجدان إلا أن المساجد لا تظفر بمثل أهمية المجالس..."  . وورد أيضا " مؤذن القرية وهو يردد صلاة الفجر . وهذا التمسك بمقومات الدين الإسلامي جاء في المقابل مع محاولات كثيرة للتبشير ونشر المسيحية التي كان يطمح المستعمر الفرنسي لفرضها، غير أن ملود فرعون بين كيف أن المسيحية منتشرة و هي السائدة سياسيا بحكم الاستعمار، كما ورد :"تبدأ الدراسة بعد إجازة عيد القديسين" ، غير أن الرواية ذهبت لأكثر من ذلك، فلما قدمت منحة الدراسة لفورولو، و وجب عليه الانتقال للعاصمة، وجد صعوبة في تأمين تكاليف الدراسة و المعيشة ، غير أن صديقه اقترح عليه الإقامة عند السيد لامبيرت المسيحي الذي كان يستقبل الطلبة و يوفر لهم الإقامة و الطعام. 

"ليس لديهما موقف معاد للبروستانتية، على العكس تعلما أن يحباها لبساطتها و سماحتها، تعلما جيدا الانجيل والعهد الجديد" ، و هذا ما جعله يتقرب من المسيحية في نوع من التعايش و القبول و الحب،" يقومان بتلاوة أية من الانجيل مثل الجميع، يرددان الترانيم باهتمام " .

العادات والتقاليد:

صورت الرواية أيضا تمسك الجزائري بعاداته وتقاليده وأصالته، من خلال محافظته على لباسه التقليدي، "تقاسيم عمي لونيس صغيرة، نظرته ساخرة و بشرته فاتحة، يتسم بالدقة و النظافة، أتذكره دائما بجلبابه الأبيض و عمامته الملفوفة بعناية" 

تمسك المجتمع الجزائري بصناعته الحرفية،صناعة الأواني الفخارية و غزل الصوف و تحضير الكسكسي.

صعوبة الظروف المعيشية للمجتمع الجزائري و معاناته من الفقر و الحرمان:

صورت لنا الرواية مظاهر الفقر الشديد لعائلة فورولو و هذه الحالة تكاد تكون عامة في كل قريته المعزولة، فنلاحظ معاناة الأب لسد حاجات العائلة، و كان طعامهم ينحصر في الكسكسي و التين، فقد كان اللحم شيئا نادرا الا في المناسبات القليلة كما وصف لنا البطل.

"نحن فقراء. التعليم للأغنياء" ،لهذا ترك فورولو الدراسة بعد التحاقه بالمدرسة الفرنسية واختار العمل مع والده في الحقل. 

و هنا نشير بان الكاتب صور المجتمع الجزائري الغارق في متاعب الحياة، التي فرضها الاستعمار مما جعل فرصة التعليم صعبة و لم تكن من أولوياته، فالبيئة القروية ببساطتها كان كل اهتمامها كيفية الحصول على قوت يومها،و كان التعليم شيئا راقيا ليس من طموحاتها، غير أن فورولو كان استثناء بارزا كافح صعوبة الوضع ليلتحق بالمدرسة الفرنسية و يحقق حلمه في ان يصبح معلما بعد أن يتخرج من مدرسة الأساتذة.

الكرم رغم الفقر: 

تتوغل الرواية في خصال المجتمع الجزائري الاصيلة والتي لم تتأثر بالوضع الاستعماري الصعب، "نحن فقراء، لكن نحمد الله، طوال حياتي لم نخجل من استقبال الضيوف". 

"يعيشوا متحدين، فتغمرنا السعادة، لان الجيران يقدمون خدمات، يساعدون، يقرضون، يغيثون، يتعاطفون، أو على الأقل يتقاسمون قدرنا" 

"لدينا حتى الان أشعار تتغنى بأمجاد أبطالنا..." .

بعض خصَال الجزائريين:

- التمسك بالشرف، "حاولوا أن تحافظوا على شرفكن" ،

- الانضباط في العلاقات الاسرية، "بالفعل، نحن نعلم أن سكان القبائل منضبطون على الأقل داخل حياتهم الأسرية" .

- القوة و الصلابة، "نتسم بالصلابة، ربما يكون ذلك مسألة وراثية"  .

- الحدة في الطباع والمقاومة وعدم الاستسلام بسهولة، "سكان القبائل عظمهم قوي ولا يلتزمون بتعليمات الأطباء، إلا إذا لم يكن لديهم القدرة على العصيان  

صورة الجدة في المجتمع الجزائري:

 اذ انها تحظى باحترام وتقدير وتستشار في الشؤون، وتقوم بالمحافظة على الأسرة، ولها دور في تزويج الأبناء..."كانت جدتي المسؤولة عن المؤونة، هي فقط كانت تتمتع بحق فتح أواني التخزين واغلاقها".  فالجدة كانت وتد هذا المجتمع بعد موتها انهارت العائلة، اختلف الابناء حول الميراث.

وصف الأنا بكل صدق: 

فالكاتب في هذه الرواية لم يقدم لنا صورة منمقة، بل صور سعى لتقديم صورة صادقة تصف المجتمع بكل تناقضاته، بكل واقعية و دون انتقاء.

- رسم مظاهر الغيرة(زوجة العم).

- كما طرح قضية مهمة مترسخة في مجتمعنا،العقلية الذكورية، ظهرت في النشأة الذكورية التي فرضتها الاسرة على فورولو و كانت تنتظر منه ان يصبح رجل العائلة القوي و الذي يخشاه الجميع.و الذي لا يسمح له بالتراجع او الضعف أو البكاء. فذلك عيب كبير بالنسبة لرجل أن يبكي.

- التمييز بين الجنسين و اسكات صوت المرأة، ففورولو كان يضرب أخته بينما لا يحاسب أو يعاقب بل يعتبر الأمر عاديا بل يعتبر ذلك أمرا بطوليا ،"أليس هذا أخاك؟ كم أنت محظوظة أن لديك أخا، ليحفظه الله لك، توقفي عن البكاء و اذهبي لتقبيله" .

- تصفية الحسابات بين القرى، الانتقام،(صراع عائلة موسى ضد عائلة عامر).

2.2.صورة الآخر (المستعمر الفرنسي):

في رواية ابن الفقير نلاحظ ان مولود فرعون، أغرق في ابراز صورة الأنا، و مع هذا لم يغفل عن تسريب صورة الاخر (المستعمر الفرنسي)،غير مركزا عليه لكن مدرجا ملامح واضحة تسمح لنا بتكوين صورة عنه.

صفات الفرنسيين: 

وصفهم بالانضباط و الجدية في التعليم،" يقال ان الفرنسيين حازمون"  .وصفهم بالصدق ،"لا يمكن لفرنسي أن يكذب"  ، و تقدير الناس و العلم،"الفرنسيون لا يعطون مكانا لأحد لا يستحقه".  

الأزياء الفرنسية:

و التي تختلف عن اللباس الجزائري،ووصفها بالأناقة و تبين رفاهيتهم،

"يرتدي كلاهما أزياء فرنسية تحت عباءة رقيقة وناصعة البياض.ظل هذا الرداء يشكل بالنسبة لي قمة الذوق والاناقة والرفاهية" 

"سافر مرتديا سترة وسروالا على الطريقة الفرنسية"  

كما بين صورة المدن الفرنسية ووصفها بالجمال و التطور،"فرنسا جميلة حقا"   

"لا يوجد وجه مقارنة بين فرنسا وهنا."  

العمران الفرنسي:

"وهي مدينة حقيقية تعج بالفرنسيين و تزخر بالمباني الضخمة و الشوارع الجميلة و المحلات المبهرة و السيارات." 

"بعض المساكن أقيمت مؤخرا بالمال الذي أحضر من فرنسا(...) ، فتشعر ان هذا الترف ليس في موضعه،لا نشعر بالفخر حياله" 

و هنا وصف فورولو المباني الفرنسية التي بناها الفرنسيون في قريته الصغيرة الريفية ، و التي لا تتماشى مع بساطة القرية، بل وصفها بأنها ليست في محلها و انه لا يفتخر بها في قريته، و هنا يرمز لرفضه للمستعمر الفرنسي.

التعليم الفرنسي:

بالنسبة للتعلم ففورولو كان متحمسا للتعلم بالفرنسية وكان يكافح من أجله، فأصبح مفخرة عائلته و القرية.

العمل في فرنسا :

صور لنا سفر والد فورولو للعمل في فرنسا ،فرمضان ذهب للعمل في شركة بفرنسا تعرض هناك لحادث و تم تأمينه و تعويضه بمبلغ مدى الحياة.

"عاد من فرنسا بطنه مقطب لكنه ثريّ بما يكفي ليدفع ديونه "...  

وهذا يعكس صورة فرنسا الثرية والتي تستغل الجزائريين للعمل في شركاتها، 

"في فرنسا سيجد طريقة ليتم توظيفه كعامل في مصنع الجزائر". 

"ستصبح قويا كفاية لتعمل في فرنسا".  

خاتمة

من هنا يمكن القول ان رواية ابن الفقير لمولود فرعون رواية جزائرية بامتياز، و هذا يخرجنا من إشكالية الادب الجزائري المكتوب بالفرنسية، فهي شكلت لنا صورة واضحة حول الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، بأبعادها المختلفة، الطبيعة، اللغة، العادات و التقاليد، الصفات و طبائع المجتمع الجزائري بكل سلبياته و إيجابياته، رسمت صورة واقعية و صادقة، كذلك بالنسبة لإشكالية الأنا و الآخر، حيث كانت رواية ابن الفقير تمجيدا للانا الجزائرية الاصيلة المقاومة ، التي جسدتها شخصية فورولو و كفاحه و تحديه لكل الصبات من أجل ان يركض خلف حلمه، أما الآخر (المستعمر الفرنسي)،لم يكن عائقا لوصول فورولو لحلمه و لم يكسر إصراره ،فصوره مولود فرعون بنظرة الطفل فورولو الذي يرى الأشياء كما هي بصدقها و عفويتها و يسعى لرسم طريقه غير مكترث بها.



قائمة المصادر و المراجع:


1. Le fils du pauvre. Mouloud Feraoun points.1995

2.رواية ابن الفقير،مولود فرعون،ترجمة نسرين شكري،المركز القومي للترجمة،2015

3.رواية ابن الفقير، مولود فرعون،ترجمة عبد الرزاق عبيد،سلسلة وحي القلم ،2013

تعليقات

محتوى المقال