القائمة الرئيسية

الصفحات

ملامح السلطة في الرواية الجزائرية

 

  

الرواية الجزائرية والسلطة
الرواية الجزائرية والسلطة

    ولد الإنسان حرا، لكنه بمرور سنوات عيشه على الأرض وجد نفسه خاضعا للكثير من السلطات التي تسلبه حقه في الحرية، فمع كل فعل يقوم بها وجب عليه أن يحسب حساب القوى الفوقية التي تراقبه. وخاصة بالوطن العربي، لكنه لم يكن مستسلما استسلاما تاما لهذه القوى، لذلك تجد الكاتب و الروائي العربي كثيرا ما يدعو في كتاباته إلى الحرية و الثورة على الظلم ومن ثمة تحضر السلطة في الرواية العربية الحديثة بممثليها وكذا بالمؤسسات المتنوعة، فالروائي العربي يدعو إلى الثورة مشيدا بالبراعة الوطنية الثورية، إبان الاحتلال فرنسياً كان أو بريطانياً أو ايطاليا أو غير ذلك، فنراه يتبنى خطاباً سياسياً يطالب بالديمقراطية، ويندد بأساليب القمع السياسي في الدول العربية المستقلة، ذلك أن الهزائم التي تعرض لها بعد سنة 1967 قد أحدثت صدمة للوعي العربي، وحطمت ثقة المثقف العربي بالأنظمة العربية التي قامت عقب افتكاك الدولة العربية لاستقلالها.

 ارتباط الرواية بالإديولوجيا السياسية

    حيث ارتبطت «الرواية العربية بالأيديولوجيا السياسية ارتباطاً وثيقاً ذلك ما يمكن ملاحظته على المستوى التطور التاريخي الذي ميز الرواية العربية، فقد مرت بظروف تاريخية وثقافية جعلتها تتنقل من فترة إلى أخرى، حاملة معها إيديولوجيات ورؤى متباينة وتجنبا للتكرار». 1

     وتتغذى الرواية العربية في تجسيدها للواقع العربي باتخاذها السلطة محورا من محاور انشغالاتها للأسباب المتعلقة بالصورة النمطية التي اتخذها الحاكم في التاريخ العربي الاسلامي من جهة، وفي الوجود و الوجدان العربيين من جهة ثانية، و في الأثر الذي يتركه في هذه الحياة من جهة ثالثة.

أسباب ارتباط الرواية العربية بالسلطة

      حيث اهتمت الرواية العربية الجديدة بعد 1967 بالسلطة و الحاكم باعتبارهما معا مهندسي الواقع العربي وكل مآسيه فهما المسؤولان عن المشاكل التي يعانيها المجتمع العربي في العصر الحالي. وكانت هناك العديد من الروايات التي جعلت السلطة محورها المركزي من خلال التركيز على بعض مظاهرها، و تبلوراتها في العديد من المجالات، مثلما نجده في رواية السجن التي انتعشت في الغرب مؤخرا أو التركيز على بعض الظواهر التي تتعرض لبعض المؤسسات الاجتماعية و ما يتولد عنها من تحليات تعكس لنا بجلاء دور  السلطة و ملامحها في هذا الواقع.

الرواية الجزائرية والسلطة

ولم تكن الرواية الجزائرية بدعاً من ذلك كله، في «ارتبطت الرواية السياسة الجزائر بالواقع الإيديولوجي التاريخي، مثلها في ذلك الرواية العربية التي سايرت التطورات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي ميزت المجتمع العربي»2 ، وهكذا فقد سارت الرواية الجزائرية جنبا إلى جنب مع جملة التحولات السياسية و الإيديولوجية التي عرفتها الجزائر بداية بزمن الاحتلال ووصلا إلى يومنا هذا.

     غير أن الرواية العربية الجديدة، لا تتناول فقط السلطة و مختلف مؤسساتها المرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر بل لقد صارت بدورها هي أيضا موضوعا تتناوله السلطة تتعارض مثل أبطالها للمحاكمة و للمصادرة و للحجز، كما أنها كانت أعمق -حسب رأي سعيد يقيطن- في تجسيد السلطة السياسية، السياسية والاقتصادية و الاجتماعية ومؤسساتها المختلفة من أي خطاب عربي آخر (على المستوى الدلالي و المعرفي)، و أجمل في التعبير لأنها كانت أعمق في رصد المحاكم وتحليات السلطة و هي تحيا، و تنعكس آثارها على الحياة اليومية أو على الوعي و المخيلة، بطريقة غنية بعيدة عن المباشرة، و المجانية.

ولعل في توسيع الموضوع و تناول مختلف السلط و المؤسسات؛ رسمية أو شعبية، حكومية أو معارضة، سياسية أو اجتماعية، كفيل بتعميق وعينا بمختلف الصور التي تقدمها لنا الرواية، و هي التي ترمي لتمثيل الواقع العربي الحديث بانطلاق من مختلف مستوياته و تركيباته المعقدة و المتشابكة.3

خلاصة

      تبين من خلال ما سبق أن الرواية العربية إجمالا تقدم لنا الصورة النمطية نفسها التي تهيمن في الواقع، و هي من ثمة تمثل السلطة في الزمن العربي بغض النظر عن أشكاله و أنماطه مادامت ملامح الصورة مشتركة و عامة. انها تمثل تصويرا شاملا للسلطة، كما تحققت في التاريخ و العصر الحديث، وكما تتجسد في التصور الشعبي و المتخيل الجماعي و إذا كانت هناك روايات جعلت السلطة محورها المركزي من خلال التركيز على بعض مظاهرها كما تتحقق من خلال بعض مؤسساتها، فإن قسما وافرا من الروايات العربية يتناول بعض تجلياتها عبر تناول جوانب تبدو ظاهريا وكأن لا علاقة لها بماء

وكان من جمع مختلف أنواع هذا الحضور أن تبلورت أنواع سردية روائية و محكيات ذاتية تبرز مظاهر هذه السلطة. مثلما نجد في رواية السجن أو السحن السياسي أو الحكي الذاتي عن سنوات الرصاص، أو من خلال بعض الظواهر التي تتعض لبعض المؤسسات الاجتماعية الطائفية و ما يتولد عنها من تجليات تعكس لنا بجلاء دور السلطة في هذا الواقع.

ثم إن حضور السلطة و مختلف مؤسساتها في الرواية العربية الحديثة لا يكاد يناظره في الروايات العالمية و غير ما نجده في الرواية في امريكا اللاتينية للتشابه الكبير بين التجربتين رغم خصوصية كل منهما، و يتأكد لنا بصورة  عميقة عندما تطلع على الدراسة القيمة التي ديجها "كريزنسكي" بسبب المرجع المركب عن الديكتاتور.4

1- يقطين سعيد:  قضايا الرواية العربية الحديدة، الوجود و الحدود، رؤية للنشر و التوزيع، د.ط، القاهرة، مصر 2010، ص 249.

2- المرجع نفسه،  ص 252

3- المرجع نفسه ص 255.

4- المرجع نفسه ص262.


تعليقات

محتوى المقال