القائمة الرئيسية

الصفحات

نشأة أدب الهامش


إلى أين تعود نشأة أدب الهامش؟ 

      نشأ الأدب الهامشي مرتبطا بحركات المعارضة المتنوعة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فنية، وهي ليست وليدة القرن العشرين بل ولدت مع ولادة الأدب نفسه لكنها تحلت بحدة أكثر في هذا القرن بسبب تحقيق الديمقراطية التي منحت نوعا من الحرية لهذه المعارضة كما أن بنية أدب العصر الصناعي قد جعلت الأدب الرسمي يفسح المجال للأدب الهامشي لأنه يعرض قضايا تنقسم الى قسمين: paralittérature الواقع اليومي للإنسان بلغة مبسطة. وبالرجوع إلى مختلف القواميس نجد أن لفظة التي تعني (بجانب) أو (حول) أو (مقابل) وكذلك ( : )ضد ‏Para السابقة. 


الجذر Litterature:‏


    الذي يعني (أدب) مما جعل المصطلح الفرنسي يعني الأدب الشبيه أو الأدب الموازي أو المعادل أو الأدب الهامشي، واختيار المصطلح الانسب لترجمة المصطلح الأجنبي يضعنا أمام عدة خيارات، فالأدب الشبيه اعتراف ضمني بلا أدبية هذا الانتاج لأنه مجرد شبيه، أما الأدب المعادل فإنه يحيل على التكافؤ والتساوي بين الطرفين وهوما لا يوجد في الواقع .


     لهذا فالأدب الموازي والأدب الهامشي هما الأقرب إلى المعنى المراد، لأنهما يحيلان على الانتاج الذي يقع على هامش الأدب الراقي ويسير بالموازاة معه. وقد دخل هذا المصطلح قاموس (La rousse) ثم قاموس الأدب الصادر عن دار (Le Robert)‏ ابتداءا من سنة 1984 وفي سنة 1992 أدرج المصطلح ضمن القاموس العالمي للأدب الصادر عن المنشورات الجامعية ‏PUFs الفرنسية. 1 

      إلا أن الميدان النقدي يشهد تداخلا كبيرا بين الأدب المضاد والأدب الشبيه، إذ يشير اللفظ الأول إلى حقل الأدب الذي يقع خارج نطاق الأدب الرسمي، فيضم الرواية المسلسلة و أدب المحطات ورواية الخيال العلمين والرواية البوليسية، وأدب الطفل و الرواية الوردية والأدب الشعبي، والشريط المرسوم بالإضافة إلى الأنواع التي أرادت حرق المعيار الفني التقليدي مثل الميلودراما في محاولتها لتكسير مبدأ نقاء النوع المسرحي والرواية الجديدة في فرنسا (ألان روب غربيه، ناتالي ساروت، ميشال بوتور.....) التي استهدفت كسر القواعد الروائية المعتادة، بينما يضم حقل الأدب الموازي كل الأنواع الاستهلاكية التي تقدم المضمون على حساب الشكل، فالرواية التي تنتمي إلى الأدب المضاد (الرواية الجديدة) تشترك مع الرواية الموازية في خرقها الجماليات التي أقرتها المؤسسة الأدبية، لكن الاختلاف يكمن في كون القواعد السردية في الأنواع الاستهلاكية تعمل بصفة عمياء، بينما تعمل هذه القواعد في الرواية الجديدة من خلال حرقها ومحاولة تكسير منطقها. 2 

      أما عن نزعة المعارضة التي حملتها الأجناس المهمشة فإنها مست لغة الكتابة كما مست الجنس نفسه، وهو ما حدث مع شكسبير الذي منعت اعماله من التداول لأنها حملت بذور الرومانسية ذات الفكر التحرري في عصر الكلاسيكية، فلم تعد إلى حظيرة الأدب إلا مع المذهب الرومنسي.

      ولعل اعتراف المؤسسة الادبية الفرنسية بالرواية الجديدة التي حاولت خرق قوانين السرد، وعصفت بالزمن والشخصية وتحولت من رواية الحكاية الى حكاية الرواية، هو صورة واضحة لسيطرة الثقافة النخبوية في هذه المؤسسة وهو نزوع نحو التعالي اللغوي، فيما كانت ظاهرة الأدب الموازي أكثر جرأة وانتشارا في أمريكا نظرا لثقافاتها الهجينة القائمة على التلاقح اللغوي والعربي وبالتالي الثقافي، و إذا اعتبر الأدب الهامشي مقولة ايديولوجية أكثر منها مقولة جمالية فذلك لأنه يتأسس على تقديم المعرفة والانتصار للفكرة على حساب الشكل، وقد ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في النصوص الشعبية الشفوية وأدب الجوالين، أما ابتداء من أواخر القرن العشرين فقد اقتصر على الرواية البوليسية ورواية الخيال العلمي، والشريط المرسوم والرواية الوردية والرواية المصورة.

- اهتم المقارنون بحقل الآداب المهمشة في محاولة للكشف عن الأنواع الأدبية التي ترافق الأدب الرسمي في صمت من خلال إلقاء الضوء على العلاقات الأدبية بين مختلف الأمم التي تبدو أكثر تجليا في الآداب الشعبية، ثم من أجل وضع نظرية للأدب تخلخل الثوابت وتضع الأدب موضع المساءلة والشك حتى يتسنى لها تحد به محتواها. - أما عن بداية الاعتناء بهذه الكتابات فكانت في جامعة بوردو 1961،1963 الذي طرح قضية الآداب المتعالية والآداب الدنيا، ثم ملتقى (سيرسي) أين تحدد مصطلح الأدب الهامشي وتعينت حدوده.4 


 - ارتبط الأدب الهامشي بمشاكل الطبقة الاجتماعية البسيطة لأنه لا يطمح إلى جمهور يمتد عبر الزمن بقدر ما يطمح إلى تحقيق أثر نفسي يصل إلى حد البهجة أو الفرح، لأن الرواية المهمشة تنزع إلى إثارة فصول القارئ بمخاطبة الجوانب الحسية فيه، ومع أن هذه الأعمال الموازية كانت تسير في صمت منذ عهد بعيد بموازاة الأدب المتعالي إلا أنها لم تبرز على الساحة الثقافية بهذا الشكل إلا بتأثير عوامل متعددة. 

عوامل بروز أعمال الأدب الهامشي

- التطور الصناعي الذي شهده القرن التاسع عشر و أنتج ذوقا جديدا ومواضيع جديدة، وفتح المجال لخاصية السلعية التي طالت مختلف السلوكيات ومنها الكتابة الأدبية التي خضعت لقانون العرض والطلب. 

- إسهام الصحافة في الترويج لهذا الأدب، من خلال نشر الروايات المسلسلة حيث وفر لها النشر، بينما ضمت هذه الرواية للصحافة التوزيع الكبير والربح الوفير.

________________

1- خلوفي سعيدة، أنطولوجيا الأدب الهامشي بين النقد و الوظيفة، رواية الخيال العلمي انموذجا، محلة الأثر، العدد 24، 2006، ص 94.

2- حلول سعيدة، المولودها الأدب الهامشي عن النقد و الوظيفة، ص 95.

3- المرجع نفسه ص 96.

4- المرجع نفسه ص97.

5- خلوفي سعيدة، أنطولوجيا الأدب الهامشي بين النقد و الوظيفة ، ص 97.

تعليقات

محتوى المقال